منذ تأسيس الدولة التركية الحديثة على يد مصطفى كمال أتاتورك وسقوط الخلافة الاسلامية والعلاقة التركية الامريكية هى علاقة استراتيجية لا يتعكر صفوها أبدا فالنظام العلمانى التركى وعلى رأسه الجيش وقيادته لم يكن يوما يفكر بل يحلم بتعريض تلك العلاقة الخاصة الى أى مخاطر وبذلك فكانت تركيا من أوائل الدول التى اعترفت باسرائيل ومن أكثر الدول علاقة مع الكيان الصهيونى وكانت القيادات التركية تعتبر ان اسرائيل وتركيا هما منارتان فى ظل منطقة عتمة لا يصل اليها النور ذلك كله لم يكن فقط حبا فى امريكا بل هى المساند الاكبر للجيش التركى عسكريا وهى من دعمته دائما فى انقلاباته على الحكومات الاسلامية المنتخبة ديموقراطيا النظام التركي لم يستمد قوته آنذاك الا بهامش الحرية الذى قدمه للجميع والكل كان يشاهد اربكان يؤسس حزب ويفوز ثم يلغى الحزب فيؤسس آخر وهكذا دواليك على عكس دول أخرى منعت كل شيء من الحرية فسلبت ما كان قد تبقى لها من قوة
وفى التسعينيات بدأ النظام يشيخ ويتململ وكان قد انهى صلاحيته فى انتخابات 2002 حيث حصل حزب العدالة والتنمية الاسلامى على الدعم الشعبى الجارف وتوصل الى معادلات تبقى النظام السياسى على حالته وتدعم كل من جهود الانظمام للاتحاد الاوروبى والعلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية وسارت الامور على حال جيد حتى عزمت الولايات المتحدة الامريكية النية على احتلال العراق وكانت دائما مطمئنة الى الدعم الذى سيقدمه الحليف الاكبر المجاور للعراق فى تلك الحرب ولكن الاجابة كانت قاسية قالت الحكومة ان مجلس النواب هو من سيقرر وبالتالى اخرجت الحكومة نفسها من الملعب وكانت النتيجة معروفة مسبقا لا دخول للعراق من الحدود التركية هذا الموقف احدث صدمة للبيت الابيض ولكن ليس بيده حيلة فقد كان فى ذلك الوقت يغنى للديموقراطية ويرقص فلن يجرؤ على الاعتراض على قرار البرلمان كانت تلك أول عقبة فى العلاقات التركية الامريكية حيث أصبحت حكومة الشعب تعمل لما يختاره الشعب دون التضحية بالمصالح الخاصة لتركيا لحساب الولايات المتحدة الامريكية
كانت مواقف اردوغان من اسرائيل لا تختلف كثيرا فعندما استشهد الشيخ أحمد ياسين صرح اردوغان قائلا ان اسرائيل دولة ارهابية وهى جملة لم يقدر عليها زعماء العرب مكتملين لعلاقاتهم مع امريكا أو اسرائيل
ظلت العلاقة التركية الامريكية فاترة ثم تحسنت شيئا فشيئا حتى حدث حدثين فى قمة التأزم أولهما موافقة لجنة فى الكونجرس على اعتبار أن ما حدث للارمن على يد العثمانيين الاتراك فى الحرب العالمية الاولى هو ابادة جماعية وهو ما جعل اردوغان يكشر عن انيابه ويصف سياسة امريكا بانها غير متزنة وتغامر بالعلاقات التركية فى مقابل لاشيء واستدعى سفيره من واشنطن بحجة التشاور فى هذا القرار وهنا ظهر الجيش ليقف الى جانب اردوغان ويمنع الجنرالات الاتراك زياراتهم الى واشنطن ويتهمونها صراحة بالتخلى عن مصالحها مع تركيا ذلك الموقف لم يأت من عدم فالحدث الثانى هو مقتل 15 جنديا تركيا فى اشتباكات بين الجيش التركى وحزب العمال الكردستانى الذى يسكن شمال العراق ولم تهاجمه الولايات المتحدة مع انه مصنف حزبا ارهابيا هذا ما استشاط من اجله الجنرالات الاتراك غضبا وهددوا بالدخول الى العراق لسحق حزب العمال الكردستانى وحصلوا على موافقة مبدأية من البرلمان يخولهم لاتخاذ الخطوة فى الوقت المناسب وصرح اردوغان بان تركيا لن تستأذن احدا اذا ارادت الدخول الى العراق وانها مستعدة لتقبل جميع الانتقادات الموجهة لها من المجتمع الدولى
هاذان الملفان هما ما سيحددان تلك العلاقة فاذا صوت الكونجرس على قرار اعتبار ماحدث للارمن هو ابادة جماعية ستتدهور العلاقات الى مستوى من الممكن القول انه من الصعب الرجوع مرة اخرى لشهر العسل الذى قضته الحكومتين قبل ذلك
اما اذا دخلت تركيا العراق فان امريكا لن تستطيع فعل شيء لان صاحبة القرار الان هى تركيا والمستعد للتخلى عن العلاقة المتميزة هى تركيا بجيشها وحكومتها وشعبها
فهى الفائزة فى الحالتين وأمريكا الخاسرة فى الحالتين
No comments:
Post a Comment